1- القيامة معجزة ضرورية تدل على قدرة الله اللانهائية
يسرنى يا أبنائى وأخوتى أن أهنئكم بعيد القيامة المجيد راجياً لكم فيه حياة سعيدة مباركة، ومصليا أن يعم السلام أرجاء المسكونة كلها.
وإذ نتحدث عن القيامة، وإنما نذكر هذه المعجزات المرتفعة جداً في مستواها، إذ كيف يمكن أن تقوم كل تلك الأجساد التي امتصتها الأرض، وتحولت إلى تراب، أو أكلها الدود، أو أحتراق بعضها، والبعض أفتراسه الحيوان.. كيف يقيم الله كل هذه الأجساد التي تعد بملايين الملايين، من شتى العصور والبلاد. ويأتى بأرواحها من حيث شاء لها أن تقيم، ويجعلها تتعرف على أجسادها وتتحد بها، وتقوم من الموت حية.. إنه أمر مذهل بلا شك..!!
2- إمكانية القيامة
إن كان العقل عاجزاً أمام فهم القيامة وكيف تكون، فإن الإيمان بالله وقدرته قادر على استيعاب ذلك
فنحن نؤمن أن الله قادر على كل شئ ولا حدود لقدرته الإلهية. ومهما كان الأمر صعباً أمام الملحدين أو غير المؤمنين، أو أمام الذين يعتمدون على الفكر والعلم وحدهما، فليس شئ عسيراً أمام. "إن غير المستطاع عند الناس، هو مستطاع عند الله" (مر 10: 27).
إن عملية قيامة الأجساد، أسهل بكثير جداً من عملية خلقها من قبل.
الله الذي أعطاها نعمة الوجود، هو قادر بلا شك على إعادة وجودها. هو الذي خلقها من تراب الأرض، وهو قادر أن يعيدها من تراب الأرض مرة أخرى.. بل ما هو اعمق من هذا، أن الله خلق الكل من العدم. خلق الأرض وترابها من العدم، ثم من تراب الأرض خلق الإنسان.
أيهما أصعب إذن: الخلق من العدم، أم إقامة الجسد من التراب؟!
إن الذي يقدر على العمل الأصعب، من البديهى أنه يقدر على العمل الأسهل. والذى منح الوجود يقدر بالحرى على حفظ هذا الوجود..
فالذى يتأمل القيامة من هذه الناحية، إنما يتأمل القدرة غير المحدودة التي لإلهنا الخالق، الذي يكفى أن يريد، فيكون كل ما يريد، حتى بدون أن يلفظ كلمة واحدة. أو يصدر أمراً.. إنها إرادته، التي هي جوهرها أمر فعال قادر على كل شئ...
نسمى القيامة إذن معجزة، ليس لأنها صعبة، وإنما لأن عقلنا البشرى القاصر يعجز عن إدراكها وكيف تكون.. ولكن الإيمان دائرته أوسع وأعمق.. يقبل ذلك بسهولة معتمداً على الوحى الإلهى.
لذلك فالقيامة هي عقيدة للمؤمنين.
الذى يؤمن بالله وقدرته، يستطيع أن يؤمن بالقيامة. والذى يؤمن بالله كخالق، يؤمن به أيضاً مقيماً للموتى. أما الملحدون وأنصاف العلماء، فلا يصل إدراكهم إلى هذا المستوى. إنهم لا يؤمنون بالقيامة، كما لا يؤمنون بالروح وخلودها، كما لا يؤمنون بالله نفسه .
وعندما أقول أنصاف العلماء، إنما أبرئ العلماء الكاملين في معرفتهم.
نصف الحقيقة أن الجسد قد تمتص الأرض بعض عناصره، ويتحلل جزء منه، وقد يتداخل في أجساد أخرى. والنصف الثانى أن المادة لا تفنى. فأينما ذهب الجسد، فمكوناته موجودة، ومصيرها إلى الأرض أيضاً.. والله غير المحدود يعرف تماماً أين توجد عناصر الجسد، ويقدر على إعادتها مرة أخرى إلى حالتها، الله بقدرته اللانهائية. وبخاصة لأنه يريد هذا، ولأنه قد وعد به البشرية على ألسنة الأنبياء. وفى كتبه المقدسة.
إذن القيامة في جوهرها، تعتمد على الله تبارك اسمه. تعتمد على إرادته، ومعرفته، وقدرته
فمن جهة الإرادة: هو يريد للإنسان أن يقوم من الموت، وأن يعود إلى الحياة. وقد وعده بالقيامة والخلود. وتحدث عن القيامة العامة بصراحة كاملة وبكل وضوح. وما دام الله قد وعد إذن لابد أنه ينفذ ما قد وعد به.
ومن جهة المعرفة والقدرة: فالله يعرف أين يوجد عناصر الأجساد التي تحللت، وأين توجد عظامها. ويعرف كيفية إعادة تشكليها وتركيبها. كما يعرف أيضاً أين توجد أرواح تلك الأجساد، ويسهل عليه أن يأمرها بالعودة إلى أجسادها، ويسهل عليها ذلك. وهو يقدر على هذا كله، جل إسمه العظيم، وتعالت قدرته الإلهية. وبكل الإيمان نصدق هذا..
إن الذي ينكر إمكانية القيامة، هو بالضرورة ينكر المعجزات جملة. وينكر الخلق من العدم. وينكر قدرة الله، وقد ينكر وجوده أيضاً.
مثال ذلك الصدوقيون الذين "يقولون إنه ليس قيامة، ولا روح، ولا ملاك" (أع 23: . حقاً، إن عدم الإيمان بأمر ما، يؤدى إلى عدم الإيمان بأمور أخرى كثيرة.
أما المؤمنون، الذين يؤمنون بالله، ويؤمنون بالمعجزة، ويؤمنون بعملية الخلق من العدم، يؤمنون بالقدرة غير المحدودة التي للخالق العظيم، فإن موضوع القيامة يبدو أمامهم سهل التصديق إلى أبعد الحدود
3- ضرورة القيامة
وكما أن القيامة ممكنة بالنسبة إلى قدرة الله، كذلك هي ضرورية بالنسبة إلى عدل الله وصلاحه وجوده.
1- إنها لازمة من أجل العدل:
من أجل محاسبة كل إنسان على أفعاله التي عملها خلال حياته على الأرض، خيراً كانت أم شراً
فيثاب على الخير، ويعاقب على الشر. ولو لم تكن قيامة، لتهالك الناس على الحياة الدنيا، وعاشوا في ملاذها وفسادها، غير عابئين بما يحدث فيما بعد! وأيضاً
إن لم تكن قيامة، لساد الظلم واستبداد القوى بالضعيف، دون خوف من عقوبة أبدية. أما الإيمان بالقيامة وما يعقبها من دينونة وجزاء، فإنه رادع للناس. إذ يشعرون أن العدل لابد سيأخذ مجراه: إن لم يكن في هذا العالم، ففى العالم الآخر.
2 – إن الله قد وعد الإنسان بالحياة الأبدية. ووعده هو للإنسان كله. وليس للروح فقط التي هي جزء من الإنسان.
فلو أن الروح فقط أتيح لها الخلود والنعيم والأبدى، إذن لا يمكن أن نقول إن الإنسان كله قد تنعم بالحياة الدائمة، وإنما جزء واحد منه فقط، بينما قد حرم بالجسد. إذن لابد بالضرورة أن يقوم الجسد من الموت وتتحد به الروح. ويكون الجزاء الأبدى للإنسان كله..
3 – ولولا القيامة لكان مصير الجسد البشرى كمصير أجساد الحيوانات!
ما هي إذن الميزة التي لهذا الكائن البشرى العاقل الناطق، الذي وهبه الله من العلم موهبة التفكير والاختراع والقدرة على صنع مركبات الفضاء التي توصله إلى القمر، وتدور به حول الأرض وترجعه إليها سالماً.. والذى قد قام بمخترعات أخرى مذهلة كالكومبيوتر والفاكس وغيرهما.. هل يعقل أن هذا الإنسان العجيب الذي سلطه الله على نواح عديدة من الطبيعة، يؤول جسده إلى مصير كمصير بهيمة أو حشرة أو بعض الهواء؟! إن العقل لا يمكن أن يصدق هذا..
إن قيامة الجسد تتمشى عقليا مع كرامة الإنسان.
الإنسان الذي يتميز عن جميع المخلوقات الأخرى ذوات الأجساد، والذى يستطيع بما وهبه الله أن يسيطر عليها جميعاً، وأن يقوم لها بواجب الرعاية والاهتمام إذ أراد، أو أن يقوم عليها بحق السيطرة والاستخدام.. فكرامة جسد هذا المخلوق العاقل لابد أن تتميز عن مصير باقى أجساد الكائنات غير العاقلة وغير الناطقة، التي هي تحت سلطانه..
4 – والقيامة لازمة أيضاً من أجل التوزان.
ففى الأرض لم يكن هناك توازن بين البشر. ففيها الغنى والفقير، المنعم والمعذب السعيد والتعيس.. فإن لم تكن هناك مساواة على الأرض، فمن اللائق أن يوجد توزان في السماء. ومن لم ينل حقه على الأرض، يمكنه أن يناله في العالم الآخر، ويعوضه الرب عما فاته في هذه الدنيا (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وقصة الغنى ولعازر المسكين التي وردت في الإنجيل المقدس (لو 16) تقدم لنا الدليل الأكيد على التوازن بين الحياة على الأرض، والحياة بعد الموت.
5- القيامة ايضاً لتقدم لنا الحياة المثالية التي فقدناها هنا.
تقدم لنا صورة الحياة الجميلة الرائعة في العالم الآخر، حيث ل ا حزن ولا بكاء، ولا فساد ولا ظلم، ولا عيب ولا نقص. بل حياة النعيم الأبدى، والإنسان المثالى الذي بلا خطيئة.. مع العشرة الطيبة مع الله وملائكته وقديسيه. ما أجمل هذا وما أروع.
ختاماً في ظل الحديث عن هذه السعادة، نرجو لبلادنا حياة الرفاهية والرخاء والسلام، ونرجو لكم جميعاً حياة سعيدة، وكل عام وأنتم بخير.
4- القيامة هي قيامة الجسد وحده، أما الروح فهي دائمة الحياة
أهنئكم يا أبنائى وأخوتى جميعاً بعيد القيامة المجيد، راجياً فيه من الرب خيراً لبلادنا المحبوبة، في كل نواحى الحياة اجتماعية واقتصادية وسياسية. كما نرجو لكم سعادة ورفاهية.
فينا طبيعتان متمايزتان :
وأزد فيما أهنئكم بالعيد، أن نتأمل معنى القيامة ونرى ما الذي يقوم.. إننا حسب تكويننا البشرى فينا طبيعتان متحدتان، هما الجسد والروح: الجسد طبيعة مادية، والروح طبيعية غير مادية. الجسد مرئى، والروح غير مرئية. الجسد طبيعة قابلة للموت، والروح حية لا تموت. هذه ميزة ميزنا بها الله على كل الكائنات الى على الأرض: أن لنا الروح التي هي دائمة الحياة.
لذلك فلا يوجد موت كلى للإنسان. إنما هو موت للجسد فقط بانفصاله عن الروح التي تبقى حية بعد موت الجسد.
وعلى هذا القياس، فالقيامة هي قيامة الجسد وحده. لأن الروح لم تمت حتى تقوم وهكذا لا نقول بقيامة الروح، إنما بعودة الروح، أى بعودتها إلى الجسد ليقوم.
هذه الروح الإنسانية هي روح حية خالدة، عاقلة ناطقة وهى أسمى وأرقى ما في الإنسان.. الجسد هو الغلاف الخارجي الذي يغلف الروح، بينما الروح هي الجوهر. الجسد هو الصدفة التي تحوى اللؤلؤة، والروح هي اللؤلؤة (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). ومهما كان الجسد جميلاً وبهياً من الخارج، فلا قيمة لجماله إن لم تكن الروح جميلة أيضاً. بل إن جمال الروح يعطى ملامح الجسد جمالاً أروع. بينما لو دخل الشر إلى الروح، تكون ملامح الجسد منفرة...
الجسد يعتمد في كيانه ووجوده على الروح. فإن فارقته الروح، تفارقه الحياة وكل مظاهرها. تفارقه الحرارة فيبرد، والحركة فيخمد. ويصبح بلا نبض،، بلا نفس، بلا شعور بلا حس بلا صوت. توقف المخ والقلب وكل الأعضاء. وأصبح جثة هامدة يوارونها التراب. كما قال الرب لأبينا آدم"أنت تراب، وإلى التراب تعود "
إذن كل ما كان للجسد من نشاط، كان مصدره الروح.
5- أنواع الأرواح
على أن الأرواح تختلف في نوعايتها ودرجاتها.
أعظم الأرواح درجة هم الملائكة، الذين لهم قوة عجيبة جداً.. يستطيعون في لمح البصر أن ينزلوا من السماء إلى الأرض، أو أن يصعدوا من الأرض إلى السماء. حسبما يكلفهم الله من مهمات يقومون بها في طاعة كاملة وفى سرعة هائلة، وأحياناً بأسلوب معجزى حسب نوع المهمة.
وأرواح الشياطين هي أيضاً قوية، ولكنها شريرة. فقد كان الشيطان ملاكاً حينما خلقه الله ولما سقط فقد قداسته وطهارته، ولكنه لم يفقد طبيعته..
والروح الإنسانية هي أيضاً روح قوية. ولكننا بمزيد الأسف لم نستخدم كل طاقات أرواحنا. مثلما استخدمنا طاقات العقل.
فاستطاع العقل أن يصل إلى الكواكب، وأن يخترع الأقمار الصناعية والكومبيوتر والفاكس والتليفونات عابرة القارات والمحيطات، وأن يستخدم الليزر، ويرقى في كل مجالات العلم.. ولم تلحق به الروح في رقيه..
ولما لم نستخدم طاقات الروح، ضعفت مثل آية طاقة أو موهبة تضعف بعدم استخدامها أو بقلة استخدامها...
كثير من النساك وصلوا إلى درجات من شفافية الروح.
ووصلوا إلى قامات روحية عالية في صلتهم بالله – تبارك إسمه – الذي منحهم مواهب عديدة أضيفت إلى القوة الروحية الطبيعية التي لأرواحهم.. بل إن جماعات من اليوجا ومن الهندوس أمكنهم بتدريبات روحية قوية أن يكشفوا الطاقات القوية التي لأرواحهم حسب طبيعتها البشرية. وقاموا بأعمال مذهلة يقف أمامها العقل متعجباً ومبهوراً..
إن كان الأمر هكذا، فكم بالأولى أهل الإيمان، الين يتولى روح الله قيادة أرواحهم. وهم قد عاشوا في تسليم كامل للمشيئة الإلهية..! وكما يقول بولس الرسول عنهم إنهم ينقادون بروح الله (رو 8: 14).
6- الأرواح الكبيرة
هناك أرواح كبيرة، فوق المستوى الجسدى والنفسى والمادى.
هذه تستطيع أن تقود نفسها، وأن تقود غيرها، وأن يكون لها تأثير قوى على المجتمع الذي تعيش فيه. بل كل من يتقابل مع هذه الأرواح، يعر أنه منجذب لتأثيرها، خاضع للقوة التي فيها.. هذه هي أرواح قيادية. وأرواح يمكنها أن تحمل مسئوليات ضخمة تعجز عن حملها الأرواح العادية.
إنها أرواح كبيرة في قدراتها، في مواهبها، في شفافيتها، في معرفتها وحكمتها، في صلتها بالله. كبيرة في مستواها، وفى عملها ومعاملاتها، وفى تأثيرها على غيرها. ينطبق على صاحب هذه الروح قول المزمور "وكل ما يعمله ينجح فيه (مز 1)
هذه الأرواح الكبيرة استطاعت أن تنال قوة من فوق، من عمل الروح القدس فيها.
حسب الوعد الإلهى: إنكم "ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم" (أع 1: . وأيضاً قوله "تلبسون قوة من الأعالى" (لو 24: 49).
ومن أمثلة هذه الأرواح:
أرواح الأنبياء والرسل، وكبار القديسين والرعاة (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). ومن قد نالوا من الله مواهب فائقة للطبيعة (1كو 12).
هذه الأرواح الكبيرة – حتى بعد الموت يأتمنها الله على مهمات معينة تقوم بها على الأرض
كما يحدث بالنسبة إلى بعض القديسين، يرسلهم الله إلى الأرض لكى يبلغوا رسالة خاصة، أو أن يقوموا بمعجزة شفاء، أو تقديم معونة معينة لشخص ما أو لمجموعة من الناس.
ليست كل الرواح يأتمنها الله على صنع معجزة، لأنه توجد أرواح ضعيفة إذا أجترحت معجزة، يدخل العجب إلى قلبها، وترتفع في داخلها بكبرياء، لأنها لم تحتمل تلك الكرامة. وكما قال القديس الأنبا أنطونيوس إن أحتمال الكرامة أصعب من احتمال الإهانة..
فإن تكبرت الروح تفقد سموها وتسقط.
كما تكبر الشيطان وسقط (أش 14: 13، 14).
وكما قال الكتاب "قبل الكسر الكبرياء، وقبل السقوط تشامخ الروح" (أم 16: 18).
7- ضباب الجسد
الروح تعيش الآن محاطة بضباب الجسد وضباب المادة.
وهذا الضباب يمنع عنها الكثير من المعرفة، ويعوقها في كثير من الأحيان عن التأمل في الإلهيات والتأمل في السماويات. بل قد يجذبها الجسد معه إلى أسفل، فتستغرق في أمور العالم الحاضر. أو قد تضعف جداً، فتشترك معه في شهواته الجسدية وتسقط، أو على الأقل تستنفذ طاقتها الروحية في الصراع مع الجسد "الروح تشتهى ضد الجسد، والجسد يشتهى ضد الروح، ويقاوم أحدهما الآخر" (غل 5: 17) .
يسرنى يا أبنائى وأخوتى أن أهنئكم بعيد القيامة المجيد راجياً لكم فيه حياة سعيدة مباركة، ومصليا أن يعم السلام أرجاء المسكونة كلها.
وإذ نتحدث عن القيامة، وإنما نذكر هذه المعجزات المرتفعة جداً في مستواها، إذ كيف يمكن أن تقوم كل تلك الأجساد التي امتصتها الأرض، وتحولت إلى تراب، أو أكلها الدود، أو أحتراق بعضها، والبعض أفتراسه الحيوان.. كيف يقيم الله كل هذه الأجساد التي تعد بملايين الملايين، من شتى العصور والبلاد. ويأتى بأرواحها من حيث شاء لها أن تقيم، ويجعلها تتعرف على أجسادها وتتحد بها، وتقوم من الموت حية.. إنه أمر مذهل بلا شك..!!
2- إمكانية القيامة
إن كان العقل عاجزاً أمام فهم القيامة وكيف تكون، فإن الإيمان بالله وقدرته قادر على استيعاب ذلك
فنحن نؤمن أن الله قادر على كل شئ ولا حدود لقدرته الإلهية. ومهما كان الأمر صعباً أمام الملحدين أو غير المؤمنين، أو أمام الذين يعتمدون على الفكر والعلم وحدهما، فليس شئ عسيراً أمام. "إن غير المستطاع عند الناس، هو مستطاع عند الله" (مر 10: 27).
إن عملية قيامة الأجساد، أسهل بكثير جداً من عملية خلقها من قبل.
الله الذي أعطاها نعمة الوجود، هو قادر بلا شك على إعادة وجودها. هو الذي خلقها من تراب الأرض، وهو قادر أن يعيدها من تراب الأرض مرة أخرى.. بل ما هو اعمق من هذا، أن الله خلق الكل من العدم. خلق الأرض وترابها من العدم، ثم من تراب الأرض خلق الإنسان.
أيهما أصعب إذن: الخلق من العدم، أم إقامة الجسد من التراب؟!
إن الذي يقدر على العمل الأصعب، من البديهى أنه يقدر على العمل الأسهل. والذى منح الوجود يقدر بالحرى على حفظ هذا الوجود..
فالذى يتأمل القيامة من هذه الناحية، إنما يتأمل القدرة غير المحدودة التي لإلهنا الخالق، الذي يكفى أن يريد، فيكون كل ما يريد، حتى بدون أن يلفظ كلمة واحدة. أو يصدر أمراً.. إنها إرادته، التي هي جوهرها أمر فعال قادر على كل شئ...
نسمى القيامة إذن معجزة، ليس لأنها صعبة، وإنما لأن عقلنا البشرى القاصر يعجز عن إدراكها وكيف تكون.. ولكن الإيمان دائرته أوسع وأعمق.. يقبل ذلك بسهولة معتمداً على الوحى الإلهى.
لذلك فالقيامة هي عقيدة للمؤمنين.
الذى يؤمن بالله وقدرته، يستطيع أن يؤمن بالقيامة. والذى يؤمن بالله كخالق، يؤمن به أيضاً مقيماً للموتى. أما الملحدون وأنصاف العلماء، فلا يصل إدراكهم إلى هذا المستوى. إنهم لا يؤمنون بالقيامة، كما لا يؤمنون بالروح وخلودها، كما لا يؤمنون بالله نفسه .
وعندما أقول أنصاف العلماء، إنما أبرئ العلماء الكاملين في معرفتهم.
نصف الحقيقة أن الجسد قد تمتص الأرض بعض عناصره، ويتحلل جزء منه، وقد يتداخل في أجساد أخرى. والنصف الثانى أن المادة لا تفنى. فأينما ذهب الجسد، فمكوناته موجودة، ومصيرها إلى الأرض أيضاً.. والله غير المحدود يعرف تماماً أين توجد عناصر الجسد، ويقدر على إعادتها مرة أخرى إلى حالتها، الله بقدرته اللانهائية. وبخاصة لأنه يريد هذا، ولأنه قد وعد به البشرية على ألسنة الأنبياء. وفى كتبه المقدسة.
إذن القيامة في جوهرها، تعتمد على الله تبارك اسمه. تعتمد على إرادته، ومعرفته، وقدرته
فمن جهة الإرادة: هو يريد للإنسان أن يقوم من الموت، وأن يعود إلى الحياة. وقد وعده بالقيامة والخلود. وتحدث عن القيامة العامة بصراحة كاملة وبكل وضوح. وما دام الله قد وعد إذن لابد أنه ينفذ ما قد وعد به.
ومن جهة المعرفة والقدرة: فالله يعرف أين يوجد عناصر الأجساد التي تحللت، وأين توجد عظامها. ويعرف كيفية إعادة تشكليها وتركيبها. كما يعرف أيضاً أين توجد أرواح تلك الأجساد، ويسهل عليه أن يأمرها بالعودة إلى أجسادها، ويسهل عليها ذلك. وهو يقدر على هذا كله، جل إسمه العظيم، وتعالت قدرته الإلهية. وبكل الإيمان نصدق هذا..
إن الذي ينكر إمكانية القيامة، هو بالضرورة ينكر المعجزات جملة. وينكر الخلق من العدم. وينكر قدرة الله، وقد ينكر وجوده أيضاً.
مثال ذلك الصدوقيون الذين "يقولون إنه ليس قيامة، ولا روح، ولا ملاك" (أع 23: . حقاً، إن عدم الإيمان بأمر ما، يؤدى إلى عدم الإيمان بأمور أخرى كثيرة.
أما المؤمنون، الذين يؤمنون بالله، ويؤمنون بالمعجزة، ويؤمنون بعملية الخلق من العدم، يؤمنون بالقدرة غير المحدودة التي للخالق العظيم، فإن موضوع القيامة يبدو أمامهم سهل التصديق إلى أبعد الحدود
3- ضرورة القيامة
وكما أن القيامة ممكنة بالنسبة إلى قدرة الله، كذلك هي ضرورية بالنسبة إلى عدل الله وصلاحه وجوده.
1- إنها لازمة من أجل العدل:
من أجل محاسبة كل إنسان على أفعاله التي عملها خلال حياته على الأرض، خيراً كانت أم شراً
فيثاب على الخير، ويعاقب على الشر. ولو لم تكن قيامة، لتهالك الناس على الحياة الدنيا، وعاشوا في ملاذها وفسادها، غير عابئين بما يحدث فيما بعد! وأيضاً
إن لم تكن قيامة، لساد الظلم واستبداد القوى بالضعيف، دون خوف من عقوبة أبدية. أما الإيمان بالقيامة وما يعقبها من دينونة وجزاء، فإنه رادع للناس. إذ يشعرون أن العدل لابد سيأخذ مجراه: إن لم يكن في هذا العالم، ففى العالم الآخر.
2 – إن الله قد وعد الإنسان بالحياة الأبدية. ووعده هو للإنسان كله. وليس للروح فقط التي هي جزء من الإنسان.
فلو أن الروح فقط أتيح لها الخلود والنعيم والأبدى، إذن لا يمكن أن نقول إن الإنسان كله قد تنعم بالحياة الدائمة، وإنما جزء واحد منه فقط، بينما قد حرم بالجسد. إذن لابد بالضرورة أن يقوم الجسد من الموت وتتحد به الروح. ويكون الجزاء الأبدى للإنسان كله..
3 – ولولا القيامة لكان مصير الجسد البشرى كمصير أجساد الحيوانات!
ما هي إذن الميزة التي لهذا الكائن البشرى العاقل الناطق، الذي وهبه الله من العلم موهبة التفكير والاختراع والقدرة على صنع مركبات الفضاء التي توصله إلى القمر، وتدور به حول الأرض وترجعه إليها سالماً.. والذى قد قام بمخترعات أخرى مذهلة كالكومبيوتر والفاكس وغيرهما.. هل يعقل أن هذا الإنسان العجيب الذي سلطه الله على نواح عديدة من الطبيعة، يؤول جسده إلى مصير كمصير بهيمة أو حشرة أو بعض الهواء؟! إن العقل لا يمكن أن يصدق هذا..
إن قيامة الجسد تتمشى عقليا مع كرامة الإنسان.
الإنسان الذي يتميز عن جميع المخلوقات الأخرى ذوات الأجساد، والذى يستطيع بما وهبه الله أن يسيطر عليها جميعاً، وأن يقوم لها بواجب الرعاية والاهتمام إذ أراد، أو أن يقوم عليها بحق السيطرة والاستخدام.. فكرامة جسد هذا المخلوق العاقل لابد أن تتميز عن مصير باقى أجساد الكائنات غير العاقلة وغير الناطقة، التي هي تحت سلطانه..
4 – والقيامة لازمة أيضاً من أجل التوزان.
ففى الأرض لم يكن هناك توازن بين البشر. ففيها الغنى والفقير، المنعم والمعذب السعيد والتعيس.. فإن لم تكن هناك مساواة على الأرض، فمن اللائق أن يوجد توزان في السماء. ومن لم ينل حقه على الأرض، يمكنه أن يناله في العالم الآخر، ويعوضه الرب عما فاته في هذه الدنيا (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وقصة الغنى ولعازر المسكين التي وردت في الإنجيل المقدس (لو 16) تقدم لنا الدليل الأكيد على التوازن بين الحياة على الأرض، والحياة بعد الموت.
5- القيامة ايضاً لتقدم لنا الحياة المثالية التي فقدناها هنا.
تقدم لنا صورة الحياة الجميلة الرائعة في العالم الآخر، حيث ل ا حزن ولا بكاء، ولا فساد ولا ظلم، ولا عيب ولا نقص. بل حياة النعيم الأبدى، والإنسان المثالى الذي بلا خطيئة.. مع العشرة الطيبة مع الله وملائكته وقديسيه. ما أجمل هذا وما أروع.
ختاماً في ظل الحديث عن هذه السعادة، نرجو لبلادنا حياة الرفاهية والرخاء والسلام، ونرجو لكم جميعاً حياة سعيدة، وكل عام وأنتم بخير.
4- القيامة هي قيامة الجسد وحده، أما الروح فهي دائمة الحياة
أهنئكم يا أبنائى وأخوتى جميعاً بعيد القيامة المجيد، راجياً فيه من الرب خيراً لبلادنا المحبوبة، في كل نواحى الحياة اجتماعية واقتصادية وسياسية. كما نرجو لكم سعادة ورفاهية.
فينا طبيعتان متمايزتان :
وأزد فيما أهنئكم بالعيد، أن نتأمل معنى القيامة ونرى ما الذي يقوم.. إننا حسب تكويننا البشرى فينا طبيعتان متحدتان، هما الجسد والروح: الجسد طبيعة مادية، والروح طبيعية غير مادية. الجسد مرئى، والروح غير مرئية. الجسد طبيعة قابلة للموت، والروح حية لا تموت. هذه ميزة ميزنا بها الله على كل الكائنات الى على الأرض: أن لنا الروح التي هي دائمة الحياة.
لذلك فلا يوجد موت كلى للإنسان. إنما هو موت للجسد فقط بانفصاله عن الروح التي تبقى حية بعد موت الجسد.
وعلى هذا القياس، فالقيامة هي قيامة الجسد وحده. لأن الروح لم تمت حتى تقوم وهكذا لا نقول بقيامة الروح، إنما بعودة الروح، أى بعودتها إلى الجسد ليقوم.
هذه الروح الإنسانية هي روح حية خالدة، عاقلة ناطقة وهى أسمى وأرقى ما في الإنسان.. الجسد هو الغلاف الخارجي الذي يغلف الروح، بينما الروح هي الجوهر. الجسد هو الصدفة التي تحوى اللؤلؤة، والروح هي اللؤلؤة (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). ومهما كان الجسد جميلاً وبهياً من الخارج، فلا قيمة لجماله إن لم تكن الروح جميلة أيضاً. بل إن جمال الروح يعطى ملامح الجسد جمالاً أروع. بينما لو دخل الشر إلى الروح، تكون ملامح الجسد منفرة...
الجسد يعتمد في كيانه ووجوده على الروح. فإن فارقته الروح، تفارقه الحياة وكل مظاهرها. تفارقه الحرارة فيبرد، والحركة فيخمد. ويصبح بلا نبض،، بلا نفس، بلا شعور بلا حس بلا صوت. توقف المخ والقلب وكل الأعضاء. وأصبح جثة هامدة يوارونها التراب. كما قال الرب لأبينا آدم"أنت تراب، وإلى التراب تعود "
إذن كل ما كان للجسد من نشاط، كان مصدره الروح.
5- أنواع الأرواح
على أن الأرواح تختلف في نوعايتها ودرجاتها.
أعظم الأرواح درجة هم الملائكة، الذين لهم قوة عجيبة جداً.. يستطيعون في لمح البصر أن ينزلوا من السماء إلى الأرض، أو أن يصعدوا من الأرض إلى السماء. حسبما يكلفهم الله من مهمات يقومون بها في طاعة كاملة وفى سرعة هائلة، وأحياناً بأسلوب معجزى حسب نوع المهمة.
وأرواح الشياطين هي أيضاً قوية، ولكنها شريرة. فقد كان الشيطان ملاكاً حينما خلقه الله ولما سقط فقد قداسته وطهارته، ولكنه لم يفقد طبيعته..
والروح الإنسانية هي أيضاً روح قوية. ولكننا بمزيد الأسف لم نستخدم كل طاقات أرواحنا. مثلما استخدمنا طاقات العقل.
فاستطاع العقل أن يصل إلى الكواكب، وأن يخترع الأقمار الصناعية والكومبيوتر والفاكس والتليفونات عابرة القارات والمحيطات، وأن يستخدم الليزر، ويرقى في كل مجالات العلم.. ولم تلحق به الروح في رقيه..
ولما لم نستخدم طاقات الروح، ضعفت مثل آية طاقة أو موهبة تضعف بعدم استخدامها أو بقلة استخدامها...
كثير من النساك وصلوا إلى درجات من شفافية الروح.
ووصلوا إلى قامات روحية عالية في صلتهم بالله – تبارك إسمه – الذي منحهم مواهب عديدة أضيفت إلى القوة الروحية الطبيعية التي لأرواحهم.. بل إن جماعات من اليوجا ومن الهندوس أمكنهم بتدريبات روحية قوية أن يكشفوا الطاقات القوية التي لأرواحهم حسب طبيعتها البشرية. وقاموا بأعمال مذهلة يقف أمامها العقل متعجباً ومبهوراً..
إن كان الأمر هكذا، فكم بالأولى أهل الإيمان، الين يتولى روح الله قيادة أرواحهم. وهم قد عاشوا في تسليم كامل للمشيئة الإلهية..! وكما يقول بولس الرسول عنهم إنهم ينقادون بروح الله (رو 8: 14).
6- الأرواح الكبيرة
هناك أرواح كبيرة، فوق المستوى الجسدى والنفسى والمادى.
هذه تستطيع أن تقود نفسها، وأن تقود غيرها، وأن يكون لها تأثير قوى على المجتمع الذي تعيش فيه. بل كل من يتقابل مع هذه الأرواح، يعر أنه منجذب لتأثيرها، خاضع للقوة التي فيها.. هذه هي أرواح قيادية. وأرواح يمكنها أن تحمل مسئوليات ضخمة تعجز عن حملها الأرواح العادية.
إنها أرواح كبيرة في قدراتها، في مواهبها، في شفافيتها، في معرفتها وحكمتها، في صلتها بالله. كبيرة في مستواها، وفى عملها ومعاملاتها، وفى تأثيرها على غيرها. ينطبق على صاحب هذه الروح قول المزمور "وكل ما يعمله ينجح فيه (مز 1)
هذه الأرواح الكبيرة استطاعت أن تنال قوة من فوق، من عمل الروح القدس فيها.
حسب الوعد الإلهى: إنكم "ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم" (أع 1: . وأيضاً قوله "تلبسون قوة من الأعالى" (لو 24: 49).
ومن أمثلة هذه الأرواح:
أرواح الأنبياء والرسل، وكبار القديسين والرعاة (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). ومن قد نالوا من الله مواهب فائقة للطبيعة (1كو 12).
هذه الأرواح الكبيرة – حتى بعد الموت يأتمنها الله على مهمات معينة تقوم بها على الأرض
كما يحدث بالنسبة إلى بعض القديسين، يرسلهم الله إلى الأرض لكى يبلغوا رسالة خاصة، أو أن يقوموا بمعجزة شفاء، أو تقديم معونة معينة لشخص ما أو لمجموعة من الناس.
ليست كل الرواح يأتمنها الله على صنع معجزة، لأنه توجد أرواح ضعيفة إذا أجترحت معجزة، يدخل العجب إلى قلبها، وترتفع في داخلها بكبرياء، لأنها لم تحتمل تلك الكرامة. وكما قال القديس الأنبا أنطونيوس إن أحتمال الكرامة أصعب من احتمال الإهانة..
فإن تكبرت الروح تفقد سموها وتسقط.
كما تكبر الشيطان وسقط (أش 14: 13، 14).
وكما قال الكتاب "قبل الكسر الكبرياء، وقبل السقوط تشامخ الروح" (أم 16: 18).
7- ضباب الجسد
الروح تعيش الآن محاطة بضباب الجسد وضباب المادة.
وهذا الضباب يمنع عنها الكثير من المعرفة، ويعوقها في كثير من الأحيان عن التأمل في الإلهيات والتأمل في السماويات. بل قد يجذبها الجسد معه إلى أسفل، فتستغرق في أمور العالم الحاضر. أو قد تضعف جداً، فتشترك معه في شهواته الجسدية وتسقط، أو على الأقل تستنفذ طاقتها الروحية في الصراع مع الجسد "الروح تشتهى ضد الجسد، والجسد يشتهى ضد الروح، ويقاوم أحدهما الآخر" (غل 5: 17) .